كتاب الإسلام والمسيحية PDF
سوسيولوجيا العصور التأسيسية
المؤلف: صادق المخزومي
إن تجربة العلاقات الإسلامية المسيحية في المائة الأولى تعد دليلا على التواصل في سوسيولوجيا الحضارات،لذا لا مناص من مزيد من التأمل الأنتروبولوجي في تجربة الإسلام في المراحل التأسيسية ، التي كانت حافلة يقيم التعايش، وراسخة في وعي التاريخ، وبعد أن كانت هذه التجربة لها قصب السبق والزيادة في العلاقات الإسلامية المسيحية، مثار عناية البحث، فقد تمخضت عن نتائج عدة،منها:
إن لتوالي الديانات الكتابية زمنيا، أهمية في فهم الترميزات التأهيلية للأنساق الثقافية والتاريخية بين تلك الديانات، وإن العلاقات الإسلامية المسيحية في المائة الأولى قد منيت بمقدمات تاريخية ودينية،وفرت المناخ النفسي لتأسيس لبناتها، نحو إنتشار الفرق المسيحية في العراق والشام ومصر والحجاز، وضمور التناحر الطائفي فيما بينها، ولم تكن نشأة الإسلام في البلاد العربية إعتباطا، بل جاء لسد الفراغ الديني لواحدية الألوهة، الذي سببه توسع الشتات في الأفكار والمذاهب الدينية، اذ بلغت الطوائف المسيحية في القرن الخامس الميلادي عددا يربو على خمسين طائفة فضلا عن إنتشار الوثنية في البلاد العربية.
تبين الإطلالة على نافذة العلاقات الإسلامية المسيحية في طورها الأولّ، أن المنطقة العربية ابتليت بمعطيات تاريخية، فجرت روح التحذي، وأصلت عناصر البقاء في فضاءات دينية تتناغم مع حاجيات المجتمع، فالمذاهب المسيحية في الشرق أبعدت عن ربقة الدين، الذي اتخذته الدولة، وعدت هرطقة وبدعة، كانت تعاني من نظامي حكم الدولتين الكبرتين بيزنطة وفارس، ولما وفر لديها قبولا للفتوح الإسلامية والدولة العربية.
كتاب الإسلام والمسيحية - سوسيولوجيا العصور التأسيسية |
إن الحقيقة التي ينبغي الوقوف عليها، هي أن الإسلام التاريخي ليس هو نفسه الإسلام النبوي أو القرآني، فالإسلام التاريخية اتخد نمطية الرسالة المنغلقة على مصالح الذات،بل - أحيانا - مارس دورا مغايرا للإسلام النبوي، وهذا شأن كثير مما درج عليه الإسلام التاريخي من معالجات وحوادث أخذت منحى من القبول لدن الإخباريين، لإستنادها الى حجية الصحابي، أو الى الأمر السياسي، وإن اختلفت عن مصداقية الشريعة في القرآن والسنة النبوية،من الممكن أن المتغيرات التاريخية سمحت للدولة العربية الإسلامية، بعد أن انقضت المرحلة النبوية القصيرة، أن تتغلغل الأمثلة الإمبراطورية ،البزنطية والفارسية، في حنايا النظم الإسلامية، فأضحت دولة يميل فيها الولاء الديني الى الإنصهار مع الإنتماء السياسي، واتضحت هذه الصورة مع الدولة الأموية في ظل متغيرات جيوسياسية وسوسيو-انثربولوجية فيأطلس النفوذ.