رواية متاهة الجن
من تأليف : حسن مته
من مقدمة المؤلف للطبعة العربية :
من الصعب جداً على الكاتب أن يتحدث عن نتاجه، لكنني سأفشي لكم بسر وهو أني حالما أرى غلاف هذا الكتاب، أي " متاهة الجن "، يتعتريني حزن شديد، لن أحدثكم عن مضمونه فهو بين أيديكم الآن، لكنني سأروي لكم قصة ولادة هذه الرواية.
كنت في حوالي العاشرة من عمري في الصف الثالث الإبتدائي، وكان قد جاء إلى قريتنا معلم مدرسة شاب مع زوجته الشابة من الأكراد الرحل، كان المعلم رجلاً شهما، وإنسانا طيباً عذب الكلام ويتحدث بلغة قريتنا، أقصد أنه كان يتحدث باللغة الكردية.
بعد سنتين أنهيت تعليمي في القرية ورحلت إلى مدينة ميرسين على البحر الأبيض المتوسط لإكمال الدراسة فيها، في تلك السنوات حدثت في بلادنا أمور كثيرة فلم أستطع العودة إلى القرية ثانية.
وبسبب أحداث مأساوية ومشؤومة خرجت في نهاية الأمر من بلدي وهاجرت إلى شمال الدنيا، إلى ستوكهولم عاصمة السويد.
بعد مرور ستة عشر عاماً على مغادرتي للقرية، صادفت في السويد سيدة من قريتنا، جئنا على أيامنا السالفة في القرية، وسألتها عن ذلك المدرس وأوضاعه، فقالت لي إنه ما يزال في القرية لكنه أصيب بلوثة جنون! وحينما سمعت ذلك اجتمعت في رأسي فكرة هذا الكتاب الذي بين أيديكم، رواية متاهة الجن، كان ذلك عام 1985م.
مضى زمن طويل حتى اختمرت قصة المدرس في شكلها الأدبي وكان ذلك في عام 1994م، حيث حولت القصة الحقيقية للمدرس إلى رواية، كانت الجملة الأخيرة في المسودة الأولى للرواية تتحدث عن انتحار المدرس شنقا بسبب حالته النفسية المتدهورة، لكن هذه هذه الجملة كانت ثقيلة الوطء علي، لم أشأ أن يموت بطل روايتي في النهاية بل تركته هكذا يتخبط في ستوكهولم باسم متاهة الجن.
كان عام 2000 عاماً مميزاً لجميع الناس، عاماً غامضاً ملبداً بغيوم الخوف والترقب والأمل، دعاني أحد الأصدقاء من مدينة كارلشتات الألمانية لإحياء حفل رأس السنة عنده فلبيت دعوته، كانت تلك السيدة التي سألتها عن أحوال المدرس، هناك بالصدفة، وللمرة الثانية سألتها عن أوضاع المدرس وما هي آخر أخباره، أخبرتني أنه انتحر شنقاً !!
أصبت بذهول وحزن، حزن على معلم قريتي الطيب، وذهول لأنني كنت قد وضعت له تلك النهاية الفاجعة على الورق قبل موته في الواقع، لم أشأ أن أغير شيءاً في الرواية، لكنني اليوم أعبر عن بالغ سروري وشكري لهيئة أبو ظبي للثقافة والسياحة " كلمة " إذ أرى المُدرس كفانوت يتحدث اللغة العربية، اللغة العربية التي لا أعرف التحدث بها.